أسقف كانتربرى وخلفيات تصريحاته .. |
الدكتورة زينب عبدالعزيز أستاذة الحضارة الفرنسية |
هلل العديد من الكتّاب فى كل مكان من العالم الإسلامى والعربى لتصريحات أسقف كنيسة كانتربرى بانجلترا ، الدكتور روان ويليامز ، بشأن قوله أو تلميحه يوم الخميس 7 فبراير الحالى ، "بأن إدراج بعض عناصر من الشريعة الإسلامية على القانون البريطانى فى مرحلة ما فى المستقبل هو أمر لا مفر منه" ! وسارعت الحكومة البريطانية على الفور إلى توضيح ان القانون البريطانى هو السائد فى البلاد التى يعيش ضمن سكانها قرابة إثنين مليون مسلم !.. و بينما شنت الصحف البريطانية حملة قاسية ضد تصريحات الأسقف ، وصلت إلى أن دعاه البعض إلى التنحى عن منصبه أو إتهامه بأنه " يقف على حقل الغام فكرى وسياسى"، تبارت الأقلام المهللة فى إظهار جرأة وشجاعة وأمانة وإنصاف وكل ما أسعفهم خيالهم لإضفائه على ذلك الزعيم الكنسى ، دون تبين أبعاد الموضوع أو ربطه بكل الخلفيات التى تمور فى الكواليس بصورة لابد من متابعتها وأخذها فى الإعتبار بجدية أكثر من ذلك التهليل الأجوف .. وأول ما كان يجب النظر إليه هو أن ما طالب به الأسقف روان ويليمز ، الذى يشغل أيضا منصب رئيس الكنيسة الأنجليكانية العالمية ، يتم فعلا فى إنجلترا وفى دول أوروبية أخرى من خلال مجلس الشريعة الإسلامية الذى تم تأسيسه هناك منذ 25 سنة تقريبا . إذ تقوم هيئة مكونة من الأمين العام للمجلس وحوالى عشرة علماء مسلمين بتولى البت فى مسائل الزواج والطلاق والميراث والخلافات فى العقود بين الملاك والمستأجرين. وحتى إذا ما تم التعامل فى مسألة الطلاق أمام محكمة مدنية بريطانية، فإن كثير من المسلمين يفضّلون الإحتكام إلى الشريعة والحصول على وثيقة من محكمة إسلامية أيضا ، وأن الشريعة تُستخدم فى بريطانيا وأوروبا بشكل يومى من خلال نفس هذا المجلس. أى إن مطلب الأسقف ويليمز ليس بسابقة فى التاريخ أو أعجوبة من عجائب الزمن التى تستوجب كل هذه التعليقات الإنفعالية أو الترحيبية .. وقبل النظر إلى خلفيات الموضوع ، التى قد تقلل من خشية المحتجين هناك إلى درجة الخجل ، وتحبط كذلك من حماس المهللين هنا ، فمن الواضح أن أية إشارة إلى الشريعة الإسلامية فى الغرب المسيحى المتعصب يترجمونها هناك فورا إلى كل ما غرسته النفوس المغرضة فى حربها الشعواء على الإسلام ، منذ بدأ ينتشر ، والتى تزايد سعارها فى السنوات الماضية ، من أن الشريعة تعنى أولا وأساسا قطع الأيدى والقتل رجما أو إعداما فى الميادين العامة ، إضافة إلى قائمة سمجة من الفريات السقيمة المتواصلة منذ أيام يوحنا الدمشقى ، فى القرن الثامن ، وحتى يومنا هذا . وأول ما تجدر الإشارة إليه ، هو أن كل ما قاله روان ويليامز هى عبارة : "الأخذ ببعض بنود الشريعة فى مرحلة ما فى المستقبل " أى أنه لم يطالب دولته بالتنفيذ الفورى وإنما قام بمجرد إشارة إحتمالية الحدوث لا أكثر ولا أقل ! وهذا الأسقف الذى يُعد أحد أعظم وألمع أساقفة كانتربرى ، طار إلى السودان بعد هذه الزوبعة ، لمدة أسبوع ، " للإطلاع على الخطوات التنفيذية لإتفاقية السلام الشامل ودعم نشاط الكنيسة الأسقفية هناك " ، ونشاط الكنائس فى جميع أنحاء العالم بات معروفا بإصراره على تنصير العالم وفقا لكاثوليكية روما ، كما ترمى زيارته إلى " تشجيع الحوار بين المسلمين والمسيحيين" . والحوار أيضا بات معروف الأهداف والمطالب ، وأهمها : كسب الوقت حتى يتم الدخول فى سر المسيح بلا ردود أفعال تذكر !! وإذا تأملنا ما قبل هذه الزوبعة ، لرأينا أن موقف الأسقف روان ويليامز والبابا بنديكت السادس عشر قائم على الإنسجام التام فى التعاون بينهما. فما أن تولى البابا مهام منصبه حتى نطالع فى لقاء بينهما وبحضور الأسقف مورفى أوكونر ، فى صيف 2005 ، أنهم يتدارسون " كيفية تقديم نموذج للتعاون حتى تكون الكنيسة أقوى وأكثر قدرة على التبشير داخل ثقافة اليوم " – وذلك رغم الخلافات العقائدية بينهم. وفى الإحتفال بمرور 40 عاما على دخول الفاتيكان والكنيسة الأنجليكانية دائرة الحوار المثمر ، فى أواخر شهر نوفمبر 2006 ، نطالع فى موقع الأخبار الرسمى للفاتيكان عن البابا والأسقف روان و " كيفية إكتشافهما وجود عناصر مشتركة للإيمان بينهما " ، و "أن هذا الحب المشترك للمسيح يجبرهما على التعاون معا وعلى الخدمة العملية (...) رغم العقبات اللاهوتية التى لا تزال أمامهما ".. وهذه العبارة الأخيرة جزء من النص المعلن !. وعقب خطاب البابا بنديكت السادس عشر فى راتسبون عام 2006 ، والذى تعمد فيه سب الإسلام والمسلمين والرسول الكريم ، صلوات الله عليه ، بأنه " لم يأت إلا بكل ما هو شر ولا إنسانى "، وذلك بعد أن ربط الإسلام بالإرهاب ، تمشيا مع ما بات أمرا مفروضا على المسلمين خاصة بعد أحداث مسرحية الحادى عشر من سبتمبر 2001 ، عقّب روان ويليامز فى حديث للبى بى سى أوردته وكالة رويترز ، قائلا : " لقد إعتذر البابا ، وإن وجهات نظره فى هذا الموضوع يجب أن تؤخذ إجمالا لأنه تحدث موضوعيا عن الحوار بين الأديان " ! والمعروف والثابت للجميع أن البابا لم يعتذر للآن ، رغم مطالب المسلمين المتكررة ، وإنما تأسّف لرد فعل المسلمين الذين أساءوا فهمه !! وياله من زمن الأوضاع المقلوبة ! وهذا يوضح منهج وموقف ذلك الأسقف العتيد وكيفية تلاعبه بالألفاظ والمواقف .. وفى اللقاء الذى دعت إليه منظمة سانت إيجيديو ، وهى أكبر منظمة تبشيرية تابعة للفاتيكان ، من 21 إلى 23/10/2007 ، فى مدينة نابولى ، فى لقاء " حوار الأديان العالمى " ، وهى الفترة التى تأتى فيما بين تقديم ذلك الخطاب المشبوه الذى تزعم البابا توجيه صياغته سراً ، و الذى وقّع عليه 138 من كبار علماء المسلمين ، وبين إنتظار رد البابا عليهم ، كان الأسقف روان ويليامز من أهم الحاضرين والمتحدثين فى تناغم تام مع توجيهات البابا المعروف خلفياته ومطالبه ، وهى تنصير العالم بأى وسيلة وبأى ثمن ! .. وفى قائمة الشخصيات التى تم توجيه ذلك الخطاب إليهم ، يأتى الأسقف روان فى الترتيب الأول بعد البابا مباشرة للمكانة التى يحتلها ، وقد كان رده على الخطاب جاهزا ومعلنا قبل أن يتسلمه رسميا ـ الأمر الذى يكشف عن مدى تداخله فى كواليس اللعبة التى تدار حاليا بكل دهاء لإقتلاع الإسلام بأيدى المسلمين .. وقد أوضحت ذلك فى مقال بعنوان "خطاب ال138 والفاتيكان" . وهناك خبر منشور يوم الجمعة 8 فبراير الحالى فى أحد المواقع الفاتيكانية يقول : " وفقا لأحد المواقع المتخصصة فى أخبار الفاتيكان ، فهناك خمسة من الممثلين لجماعة ال 138 مسلما الموقعون على الخطاب المفتوح إلى البابا والقادة المسيحيين ، قد تم إستقبالهم فى بداية هذا الأسبوع فى الفاتيكان للإعداد للقاء قمة مع البابا بنديكت السادس عشر . ورجال الدين والمثقفون هؤلاء قد إلتقوا يوم الإثنين والثلاثاء بأعضاء المجلس البابوى الذى يترأسه الكاردينال جان-لوى توران ، للإعداد لتلك القمة التاريخية ، وفقا لما أعلنه ساندرو ماجيستر ، مدير أحد المواقع الفاتيكانية " والمفترض والمعلن رسميا هو ان ذلك اللقاء المرتقب بين "النخبة المختارة" من الفاتيكان وبعض أعضاء ورؤساء لجان الحوار والتبشير، كان قد تحدد له رسميا يومى 4 و 5 مارس القادم .. إلا أن الإجتماع التمهيدى وغير المعلن عنه والذى تم يومى 4 و5 فبراير الحالى ، فإنه يثير عدة تساؤلات لها مغراها ، كما يضع تصريح الأسقف روان ويليامز فى مكانه المنطقى الصحيح . فلو تأملنا أحداث ذلك الأسبوع الأول من فبراير والذى ألقى فيه روان ويليامز ببالونة إختباره ، لوجدنا ما تم فى نفس الفترة : تصريح الأسقف ، وتصريح الكاردينال جان-لوى توران ، رئيس المجلس البابوى للحوار مع المسلمين ، المنشور فى موقع الفاتيكان الرسمى ، والذى يعرض فيه قائمة المطالب التى سيتعين على تلك "النخبة المختارة" تنفيذها – وقد أوردت بنودها فى مقال "أفيقوا أيها المسلمون" ، وإختصارها كيفية إقتلاع الإسلام بحذف كل ما يفضح التحريف الذى قامت به الأيادى العابثة برسالة التوحيد وتأليه السيد المسيح ، عليه الصلاة والسلام ، وعمل تفسير جديد للقرآن يتمشى مع منطق الفاتيكان ولا يعوق عمليات التبشير الهستيرية التى يقودها .. وكلمة هستيرية هذه ليست سبة ألقى بها جهلا ، وإنما هى أدق تعبير عن الواقع والأحداث التى يقودها الفاتيكان فى آن واحد ، سواء بإختلاق مناسبات متعددة ومتنوعة لعمل يوبيل أو إحتفال لمدة عام خاصة فى أوروبا لإحياء الشعور المسيحيى الذى فتر إلى درجة لافتة فى الغرب : فهناك العام الإحتفالى بظهور السيدة مريم فى مدينة لورد الفرنسية ، وهناك الإحتفال ببولس الرسول لمدة عام فى تركيا لإحياء المسيحية التى خبت هناك وعلى المساجد أن تشارك فيه ، وهناك الإحتفال بالعام التبشيرى ككل ، والعام الخاص بإحياء الجذور المسيحية لأوروبا ، الخ .. وكل ذلك فى عام 2008 الحالى – وكلها على سبيل المثال لا الحصر ! ويستعين البابا بجيوش مجيّشة فعلا من المبشرين ، فبخلاف عشرات المنظمات المعروفة و منها أوبس داى ، و سانت إيجيديو ، وجنود الرب ، والأطفال المبشرون الخ.. أن عدد المبشرين المتفرغين 5,151,000 ، وعدد المجلات التبشيرية 33700، وعدد محطات الإذاعة والتليفزيون التتبشيرية 3770 محطة ستصل عام 2025 إلى 10000 ، وقد تم رصد للتنصير حتى عام 2025 مبلغ 870 مليار دولار و7 ملايين مبشر و10000 محطة إذاعة وتليفزيون . إضافة إلى استعانة البابا بكافة المجالات السياسية والإقتصادية و الإجتماعية و العلمية والفنية والرياضية وغيرها لفرض المسيحية على العالم قبل حلول عام 2010 ، وهو التاريخ الذى كان قد حدده مجلس الكنائس العالمى حينما أسند إلى الولايات المتحدة بمهمة إقتلاع الإسلام بعد أن فشل مخطط البابا يوحنا بولس الثانى فى تحقيق ذلك ، عشية الألف الثالثة ، حتى تبدأ الألفية الجديدة وقد تم تنصير العالم !!. وإذا ربطنا بين كل ما تقدم ، وهى مجرد أمثلة ونماذج ولا تمثل حصرا لهذه المجالات ، وبين تصريح الأسقف روان ويليامز ولقاء "النخبة المختارة" من أولئك المسلمين ، لكان المعنى واضحا : ها نحن ذا نخرج عن تعصبنا ونعلن عن إمكانية إدراج بعض بنود الشريعة فى القانون البريطانى ، وعليكم – بالتالى – أيها المسلمون "الحكماء " ، كما أطلق عليهم البابا ، أن تقوموا بالمثل وتخرجوا عن تعصبكم وتغيروا من نصوصكم – مثلما أجبرنا عصر التنوير على القيام بذلك ، وان تتمشوا مع متطلبات المؤسسة الكنسية و إلا .. !! ولا يسعنى إلا أن أكرر بأعلى صوت : أفيقوا أيها المسلمون ، أفيقوا من ثبات طال مداه ، قبل أن تحل كارثة لا يعرف مداها إلا الله سبحانه وتعالى ! |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق