محمد فاروق الإمام : طلاس ينوي زيارة طهران ليعلن تشيعه |
محمد فاروق الإمام
بعد غياب طويل – كاد الناس فيها نسيان صورته وشخصه – أطل العماد مصطفى طلاس الذي احتل منصب وزير الدفاع في سورية لأكثر من ثلاثين سنة متواصلة منذ العام 1972 – بعد الإطاحة برفاقه البعثيين فيما سمي (الحركة التصحيحية) التي قادها وزير الدفاع آنذاك حافظ الأسد، وحتى عام 2003 حيث أقاله بشار الأسد الذي تسلم الرئاسة في سورية خلفاً لوالده حافظ الأسد – أطل في لقاء تلفزيوني خاص عبر شاشة تلفزيون الدنيا من خلال برنامج (قبل أن ننسى) ليتحدث – كعادته – عن جمال السيدات السوريات وولعه بهن .. وعن خبرته المميزة في أنواع الطبخ وانتقاء ورود الزينة.
كما تحدث عن الأوسمة والنياشين التي أهديت له أو حاز عليها عن جدارته العسكرية والحربية كما يدعي، وختم حديثه بالقول إنه ينوي زيارة إيران قريباً ليعلن تشيعه على يد ولي الفقيه علي خامنئي.
لقد خاض هذا العماد الهمام حرب عام 1967، وألحقت الهزيمة النكراء بالجيش السوري العقائدي بعد تفريغه من معظم ضباطه وضباط صفه المحترفين الوطنيين الذين كان انتماؤهم للوطن وليس إلى أي تنظيم حزبي او سياسي، والتخلي عن مرتفعات الجولان والقنيطرة قبل احتلالها من قبل العدو الصهيوني، وكان ممن خططوا لحرب عام 1973 التي سماها حزب البعث الشمولي الحاكم في سورية تضليلاً واستخفافاً بعقول السوريين والعرب (حرب تشرين التحريرية) حيث تخلى الجيش السوري عن (34) قرية سورية للعدو الصهيوني والذي وصلت قواته إلى مشارف دمشق (54 كم) لتصبح عاصمة الأمويين تحت رحمة مدفعية العدو الصهيوني، حيث عقد هناك إتفاقية فك الاشتباك بين إسرائيل وسورية برعاية أمريكية، وتخلت إسرائيل بموجب هذه الاتفاقية عن مدينة القنيطرة بعد تدميرها تدميراً كاملاً.
أما عن نيته الذهاب إلى قم ليعلن تشيعه على يد ولي الفقيه علي خامنئي فمبروك عليه بالجماعة التي يريد الانضمام إليها، ومبروك على ولي الفقيه بهذا العماد الضال، فهذا أمر لا يضر أهل السنة والجماعة أو ينقص من قدرهم أو يقلل من عددهم وقد كان محسوباً عليهم وليس منهم!
هذا العماد الهمام كتب مذكراته في ثلاثة مجلدات، الأول 823 صفحة والثاني 895 والثالث 694 صفحة اضافة الى “ملحق” من 120 صفحة صدر في كتاب صغير مستقل حول الصراع بين الرئيس حافظ الأسد وشقيقه رفعت عام 1984 على امتلاك سورية، وكادت تنشب حرب بين أنصار الشقيقين وتذهب دمشق بمن فيها ضحية لهذا الصراع الأعمى، وقد عجز حافظ الأسد عن تقديم رشوة لأخيه رفعت كي يترك البلاد، بعد ان وجد الخزينة فارغة ليس فيها دولار واحد – كما يقول طلاس بمذكراته – فاستنجد بصديقه معمر القذافي الذي أرسل إليه 25 مليون دولار أرضى بها أخوه رفعت الذي غادر سورية إلى أوروبا لينعم بما نهب وسرق من الخزينة السورية وجيوب الناس بحكم موقعه كقائد لسرايا الدفاع المنوطة بحماية النظام، والنائب الأول لرئيس الجمهورية.
يخبرنا العماد مصطفى طلاس الذي غادر منصبه كوزير للدفاع في مذكراته. يخبرنا مرتين فقط بالنهاية الصريحة الحميمة لعلاقاته الجنسية كعازب مرة مع بدويتين في قريته “الرستن” القريبة من حمص والمحاذية لنهر العاصي في الأربعينات ومرة أخرى مع حسناء في فندق السان جورج في بيروت، كضابط شاب في الخمسينات. فيما يحرص في عشرات الحالات الغرامية الأخرى التي تمتلىء بها مجلداته الثلاثة على الاعتراف بانجذابه الرومنطيقي تارة والجسدي تارة اخرى الى إحدى الحسناوات، دون أن ياتي على نهاية هذه العلاقة.
في هذه المجلدات المدهشة في تنوع رواياتها الشخصية والسياسية والعسكرية والأدبية يطل علينا مصطفى طلاس بصورة مغايرة لصورة وزير الدفاع في نظام حزبي شمولي ديكتاتوري، من المفترض أن يكون جاداً وملتزماً وصارماً كما هي الحال في المؤسسة العسكرية في كوريا الشمالية والصين، لكننا نفاجأ بضابط متحلل وغير مكترس بأي قيم عسكرية أو أخلاقية أو دينية رغم أنه من منبت ريفي محافظ.. فهو يروي “ما يشاء” … “على هواه”… إلى حد بعيد. خصوصاً هواه الشخصي.
لقد سمحت مكانته الشخصية وقربه من الرئيس حافظ الأسد بأن يروي أنه استأذن الرئيس حافظ الأسد في رواية عن قوة الشاب حافظ الأسد في المناطحة بالرأس وهو أسلوب شائع أيام كان معه طالباً في الكلية الجوية في حلب. وكيف أن عصبة الأسد من زملائه كانت تمسك بالتلميذ الخصم خلال مناكفات الطلبة – الضباط، ويتولى الأسد ضربه برأسه على الرأس… وقال طلاس في مذكراته أن حافظ الأسد أجابه عندما استأذن بكتابة هذه المعلومات: “اكتبها أنت، أفضل من أن يأتي يوم وسيكتبها غيرك”.
لا شك أن هذه المذكرات هي أطول وأهم مصدر مكتوب عن فترة حكم الرئيس الراحل حافظ الأسد، (اختفت هذه المذكرات بعد أن قامت أجهزة الأمن السورية بجمعها من المكتبات ومنعت تداولها بين الناس لما اشتملت عليه من فضائح عرّت النظام الذي كان العماد أحد أعمدته).
فهذا الرفيق البعثي… قبل دخول الكلية الحربية أي منذ أيام الدراسة الثانوية في حمص… الذي دخل كلية الطيران ثم فصل منها لأسباب تتعلق بنقص مؤهلاته كمشروع طيار – باعترافه – ليحال الى كلية المدرعات التي يروي كيف برع في سلاحها… إلى أن شارك في التخطيط لحرب تشرين التي جمعت سورية ومصر في مواجهة إسرائيل… ثم في التنفيذ… هذا الرفيق البعثي سيقول أشياء كثيرة في السياسة السورية والعربية، غير معروفة، وإذا كانت شائعة أو شبه معروفة في حالات أخرى، فإن صدورها عنه بالذات يعطيها أهميتها باعتبارها في العديد من الحالات – وليس كلها حتما – “رواية” حافظ الأسد أيضا.
بين سردياته المفاجئة اتهامه لعبد الحميد السراج رئيس المكتب الثاني السوري الشهير منذ سقوط الشيشكلي حتى نهاية حكم عبد الناصر، بترتيب اغتيال الضابط عدنان المالكي في منتصف الخمسينات. وهو الاغتيال الذي باسمه ضُرب الحزب السوري القومي في سورية واعتقل عناصره وطوردوا وحوكموا في تلك المحاكمات الشهيرة التي تحولت الى أحد عناصر صعود حزب البعث – والتيار الناصري – في السياسة السورية حتى حصول الوحدة.
إذن يقول مصطفى طلاس الذي كان ضابطا بعثيا صغيرا أن السراج (لا الحزب السوري القومي) هو الذي دبر اغتيال المالكي. (وهذا الاتهمام لم يدعمه العماد باية أدلة او قرائن، فقد كان الغاية من الاتهام هو تبرئة الحزب القومي من جريمة الاغتيال كون هذا الحزب صار أحد حلفاء النظام ويده الطولى في لبنان).
ومن بين “أطرف” وأبلغ روايات المذكرات في الدلالة على التركيبة النفسية – السياسية لمرحلة الخمسينات ولنمط العمل الحزبي – العسكري، صراحة مصطفى طلاس في أنه اقترح على مجموعة من الضباط الصغار حضروا في دمشق اجتماعا عسكريا واسعا بعد اغتيال المالكي، وكان بين هؤلاء الضباط حافظ الأسد، ان يذهبوا الى سجن المزة ويسيطروا عليه ويقوموا بإعدام جميع قادة الحزب السوري القومي المعتقلين هناك (ما هذا التناقض الذي يضع طلاس نفسه في دائرته؟). ويروي طلاس ان الأسد نصحه بأن يأخذ الموافقة من القيادات الأعلى حتى لا تتحمل المجموعة وحدها المسؤولية! ويقول ان الخبر وصل الى رئيس الاركان شوكت شقير بواسطة شقيق أحد ضباط المجموعة… وأن شقير تكلم معه يومها بطريقة تأنيبية.
قد يتساءل المتابع للشأن السوري لماذا لم يرو مصطفى طلاس في مذكراته عن العلاقات الداخلية في الثكنات وعن كيفية المشاركة في الانقلابات الفاشلة قبل 1963 والناجحة دائما بعد 1963 عندما تحولت صداقته مع حافظ الأسد الى ثنائية مهمة عبر “اللجنة العسكرية” التي كانت تشكلت في القاهرة… حتى تسلّم الأسد الحكم عام 1970 مع تحول طلاس الى وزير دفاع دائم عام 1972 الى تقاعده. (شكل اللجنة العسكرية كل من محمد عمران، وصلاح جديد، وحافظ الأسد، ثم ضموا إليها فيما بعد كل من أمين الحافظ، وسليم حاطوم، ومصطفى طلاس، وعبد الكريم الجندي، ومنير جيرودي، وأحمد المير – سقطت الجولان بيد العدو الصهيوني وكان قائداً للجبهة – وغيرهم).
إلا أنه بحسب المذكرات، من الواضح أن حافظ الأسد أصبح الرجل الأول في سورية من حيث القوة العسكرية، منذ العام 1966 أي مباشرة بعد تصفية الرئيس أمين الحافظ والقيادة القومية (عفلق – البيطار).. فيما كان الأسد – وطلاس – شريكين صاعدين بعد 1963 في التصفيات المتتابعة لزياد الحريري وجاسم علوان ثم محمد عمران فالحافظ فالبيطار – إلى أن بدأ الصراع داخل “القيادة القطرية” فأبعد سليم حاطوم (ثم استدرج لاحقاً من الاردن الى دمشق وأعدم بعد هزيمة 1967) ثم أحمد سويداني ثم عبد الكريم الجندي (الذي يتبنى طلاس واقعة انتحاره)… حتى إبعاد صلاح جديد ونور الدين الاتاسي و”المجموعة الديرية” (دير الزور) كما يسميها طلاس برئاسة يوسف زعين.
يذكر العماد في مذكراته أن الرئيس حافظ الأسد كلفه بمهمة الانخراط في وفد ضم رئيس الاركان حكمت الشهابي لمقابلة العاهل الاردني (الراحل) الحسين، على أن يتولى الشهابي مراقبة رد فعل الملك من عينيه عندما سيخبره طلاس بقرار القيام بحرب تشرين فإذا شعر الشهابي بزوغان معين في نظرات الملك، عليه أن يشير لطلاس بتغيير الموضوع لأن الملك – حسب الأسد – تتيه نظراته حين يكون غير مرتاح لسماع كلام معين.
ويروي طلاس في مكان آخر كيف طلب منه الأسد، بعد محاولة الشيوعيين السودانيين الانقلاب على جعفر نميري أن يذهب – مع وفد – إلى الخرطوم ليقدم له نصائح في كيفية حماية النظام السياسي باعتبار طلاس في نظر الأسد صاحب خبرة في التعامل مع الانقلابات العسكرية والأنظمة الشمولية الديكتاتورية!
ويتحدث العماد في مذكراته عن نفسه كمبعد الى مصر أيام الوحدة، حيث يتواصل مع حافظ الأسد وصلاح جديد ومحمد عمران وغيرهم من الضباط السوريين الذين سيشكل بعضهم ما سيعرف لاحقا باسم “اللجنة العسكرية” كتنظيم سري في عهد الوحدة الى استقباله الماريشال غريشكو وزير الدفاع السوفياتي في منزله بدعوة عشاء عام 1969 وكان أصبح رئيساً للاركان، وهو العشاء الذي طلب منه وزير الدفاع حافظ الاسد أن يدعو اليه رئيس الدولة نور الدين الاتاسي مع الأسد فقط دون أي شخص آخر من كبار مسؤولي الدولة، مما يعطي فكرة عن كون الأسد أصبح الأقوى في تشكيلة الحكم الشباطي قبل عام 1970.
في العشاء دخل غريشكو الى مطبخ البيت ليصف أقراص الكبة “المتطاولة” التي حضّرتها السيدة طلاس بأنها “صواريخ عابرة للقارات”. كما يروي أن غريشكو عندما قدم له ضابط سوري كبير كتابا ترجمه إلى العربية عن كتاب لضباط سوفيات حول “الإستراتيجية العسكرية” قال للضابط بفجاجة:
“كنت اتمنى ان تهديني كتابا عسكريا ألّفه ضابط عربي حول “الإستراتيجية” ونحن نترجمه إلى الروسية! هذا هو الذي يفيدني!”.
رغم رواية طلاس السياسية “المنحازة” لنفسه! فمذكراته ضمت أشياء كثيرة، في الشخصي والاجتماعي والاقتصادي والعسكري والطائفي، ناهيك عن العربي والدولي.
وبين الانجذابات النسائية لطلاس التي يتركنا قصدا دون ان نفهم نهايتها… قصة له، بدأت بحضور الجنرال جياب (الاسطوري السمعة في حرب فيتنام) مع فتاتين فيتناميتين….
إنها مذكرات للقراءة الكاملة… مادة خام لا غنى عنها لمؤرخي سورية والمهتمين بالشأن السوري.. على الأقل الأربعين عاماً المنصرمة حتى لو غطت المذكرات أكثر من خمسين عاما.
ربما بعد أن تقاعد… سيكمل مصطفى طلاس ما لم يَروِه… بالمطلق: الدخول الى لبنان تجربة الحكم فيه… النظام وصراعه مع جماعة الإخوان المسلمين وموقفه من المجازر التي ارتكبها النظام بحق المواطنين السوريين في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي. وفترة التسعينيات وربما سوريا بشار الأسد، مع مزيد من الكلام السياسي الأدبي، الشخصي والعام.
نتمنى على العماد قبل ان يدخل نفق ولاية الفقيه أن يتحدث بصدق وصراحة عن ذكرياته وهو أحد أعمدة النظام الذي جاء على ظهر دبابة ضالة وحكم منذ العام 1963 وما زال يحكم، وهذه أمانة نأمل من العماد أن يعطيها حقها وقد بلغ من العمر مابلغ.
مذكرات العماد مصطفى طلاس تستحق القراءة والإمعان في كل ما جاء فيها من غث وسمين لأنها تعطي صورة حقيقية وواقعية عن حقيقة وواقع الضباط السوريين الشخصية والعامة الذين جاء بهم حزب البعث الشمولي – خلفاً لمئات الضباط العاملين والمحترفين غير المسيسيين الذين سرحهم- ليحمي بهم النظام وليس البلاد!!
كما تحدث عن الأوسمة والنياشين التي أهديت له أو حاز عليها عن جدارته العسكرية والحربية كما يدعي، وختم حديثه بالقول إنه ينوي زيارة إيران قريباً ليعلن تشيعه على يد ولي الفقيه علي خامنئي.
لقد خاض هذا العماد الهمام حرب عام 1967، وألحقت الهزيمة النكراء بالجيش السوري العقائدي بعد تفريغه من معظم ضباطه وضباط صفه المحترفين الوطنيين الذين كان انتماؤهم للوطن وليس إلى أي تنظيم حزبي او سياسي، والتخلي عن مرتفعات الجولان والقنيطرة قبل احتلالها من قبل العدو الصهيوني، وكان ممن خططوا لحرب عام 1973 التي سماها حزب البعث الشمولي الحاكم في سورية تضليلاً واستخفافاً بعقول السوريين والعرب (حرب تشرين التحريرية) حيث تخلى الجيش السوري عن (34) قرية سورية للعدو الصهيوني والذي وصلت قواته إلى مشارف دمشق (54 كم) لتصبح عاصمة الأمويين تحت رحمة مدفعية العدو الصهيوني، حيث عقد هناك إتفاقية فك الاشتباك بين إسرائيل وسورية برعاية أمريكية، وتخلت إسرائيل بموجب هذه الاتفاقية عن مدينة القنيطرة بعد تدميرها تدميراً كاملاً.
أما عن نيته الذهاب إلى قم ليعلن تشيعه على يد ولي الفقيه علي خامنئي فمبروك عليه بالجماعة التي يريد الانضمام إليها، ومبروك على ولي الفقيه بهذا العماد الضال، فهذا أمر لا يضر أهل السنة والجماعة أو ينقص من قدرهم أو يقلل من عددهم وقد كان محسوباً عليهم وليس منهم!
هذا العماد الهمام كتب مذكراته في ثلاثة مجلدات، الأول 823 صفحة والثاني 895 والثالث 694 صفحة اضافة الى “ملحق” من 120 صفحة صدر في كتاب صغير مستقل حول الصراع بين الرئيس حافظ الأسد وشقيقه رفعت عام 1984 على امتلاك سورية، وكادت تنشب حرب بين أنصار الشقيقين وتذهب دمشق بمن فيها ضحية لهذا الصراع الأعمى، وقد عجز حافظ الأسد عن تقديم رشوة لأخيه رفعت كي يترك البلاد، بعد ان وجد الخزينة فارغة ليس فيها دولار واحد – كما يقول طلاس بمذكراته – فاستنجد بصديقه معمر القذافي الذي أرسل إليه 25 مليون دولار أرضى بها أخوه رفعت الذي غادر سورية إلى أوروبا لينعم بما نهب وسرق من الخزينة السورية وجيوب الناس بحكم موقعه كقائد لسرايا الدفاع المنوطة بحماية النظام، والنائب الأول لرئيس الجمهورية.
يخبرنا العماد مصطفى طلاس الذي غادر منصبه كوزير للدفاع في مذكراته. يخبرنا مرتين فقط بالنهاية الصريحة الحميمة لعلاقاته الجنسية كعازب مرة مع بدويتين في قريته “الرستن” القريبة من حمص والمحاذية لنهر العاصي في الأربعينات ومرة أخرى مع حسناء في فندق السان جورج في بيروت، كضابط شاب في الخمسينات. فيما يحرص في عشرات الحالات الغرامية الأخرى التي تمتلىء بها مجلداته الثلاثة على الاعتراف بانجذابه الرومنطيقي تارة والجسدي تارة اخرى الى إحدى الحسناوات، دون أن ياتي على نهاية هذه العلاقة.
في هذه المجلدات المدهشة في تنوع رواياتها الشخصية والسياسية والعسكرية والأدبية يطل علينا مصطفى طلاس بصورة مغايرة لصورة وزير الدفاع في نظام حزبي شمولي ديكتاتوري، من المفترض أن يكون جاداً وملتزماً وصارماً كما هي الحال في المؤسسة العسكرية في كوريا الشمالية والصين، لكننا نفاجأ بضابط متحلل وغير مكترس بأي قيم عسكرية أو أخلاقية أو دينية رغم أنه من منبت ريفي محافظ.. فهو يروي “ما يشاء” … “على هواه”… إلى حد بعيد. خصوصاً هواه الشخصي.
لقد سمحت مكانته الشخصية وقربه من الرئيس حافظ الأسد بأن يروي أنه استأذن الرئيس حافظ الأسد في رواية عن قوة الشاب حافظ الأسد في المناطحة بالرأس وهو أسلوب شائع أيام كان معه طالباً في الكلية الجوية في حلب. وكيف أن عصبة الأسد من زملائه كانت تمسك بالتلميذ الخصم خلال مناكفات الطلبة – الضباط، ويتولى الأسد ضربه برأسه على الرأس… وقال طلاس في مذكراته أن حافظ الأسد أجابه عندما استأذن بكتابة هذه المعلومات: “اكتبها أنت، أفضل من أن يأتي يوم وسيكتبها غيرك”.
لا شك أن هذه المذكرات هي أطول وأهم مصدر مكتوب عن فترة حكم الرئيس الراحل حافظ الأسد، (اختفت هذه المذكرات بعد أن قامت أجهزة الأمن السورية بجمعها من المكتبات ومنعت تداولها بين الناس لما اشتملت عليه من فضائح عرّت النظام الذي كان العماد أحد أعمدته).
فهذا الرفيق البعثي… قبل دخول الكلية الحربية أي منذ أيام الدراسة الثانوية في حمص… الذي دخل كلية الطيران ثم فصل منها لأسباب تتعلق بنقص مؤهلاته كمشروع طيار – باعترافه – ليحال الى كلية المدرعات التي يروي كيف برع في سلاحها… إلى أن شارك في التخطيط لحرب تشرين التي جمعت سورية ومصر في مواجهة إسرائيل… ثم في التنفيذ… هذا الرفيق البعثي سيقول أشياء كثيرة في السياسة السورية والعربية، غير معروفة، وإذا كانت شائعة أو شبه معروفة في حالات أخرى، فإن صدورها عنه بالذات يعطيها أهميتها باعتبارها في العديد من الحالات – وليس كلها حتما – “رواية” حافظ الأسد أيضا.
بين سردياته المفاجئة اتهامه لعبد الحميد السراج رئيس المكتب الثاني السوري الشهير منذ سقوط الشيشكلي حتى نهاية حكم عبد الناصر، بترتيب اغتيال الضابط عدنان المالكي في منتصف الخمسينات. وهو الاغتيال الذي باسمه ضُرب الحزب السوري القومي في سورية واعتقل عناصره وطوردوا وحوكموا في تلك المحاكمات الشهيرة التي تحولت الى أحد عناصر صعود حزب البعث – والتيار الناصري – في السياسة السورية حتى حصول الوحدة.
إذن يقول مصطفى طلاس الذي كان ضابطا بعثيا صغيرا أن السراج (لا الحزب السوري القومي) هو الذي دبر اغتيال المالكي. (وهذا الاتهمام لم يدعمه العماد باية أدلة او قرائن، فقد كان الغاية من الاتهام هو تبرئة الحزب القومي من جريمة الاغتيال كون هذا الحزب صار أحد حلفاء النظام ويده الطولى في لبنان).
ومن بين “أطرف” وأبلغ روايات المذكرات في الدلالة على التركيبة النفسية – السياسية لمرحلة الخمسينات ولنمط العمل الحزبي – العسكري، صراحة مصطفى طلاس في أنه اقترح على مجموعة من الضباط الصغار حضروا في دمشق اجتماعا عسكريا واسعا بعد اغتيال المالكي، وكان بين هؤلاء الضباط حافظ الأسد، ان يذهبوا الى سجن المزة ويسيطروا عليه ويقوموا بإعدام جميع قادة الحزب السوري القومي المعتقلين هناك (ما هذا التناقض الذي يضع طلاس نفسه في دائرته؟). ويروي طلاس ان الأسد نصحه بأن يأخذ الموافقة من القيادات الأعلى حتى لا تتحمل المجموعة وحدها المسؤولية! ويقول ان الخبر وصل الى رئيس الاركان شوكت شقير بواسطة شقيق أحد ضباط المجموعة… وأن شقير تكلم معه يومها بطريقة تأنيبية.
قد يتساءل المتابع للشأن السوري لماذا لم يرو مصطفى طلاس في مذكراته عن العلاقات الداخلية في الثكنات وعن كيفية المشاركة في الانقلابات الفاشلة قبل 1963 والناجحة دائما بعد 1963 عندما تحولت صداقته مع حافظ الأسد الى ثنائية مهمة عبر “اللجنة العسكرية” التي كانت تشكلت في القاهرة… حتى تسلّم الأسد الحكم عام 1970 مع تحول طلاس الى وزير دفاع دائم عام 1972 الى تقاعده. (شكل اللجنة العسكرية كل من محمد عمران، وصلاح جديد، وحافظ الأسد، ثم ضموا إليها فيما بعد كل من أمين الحافظ، وسليم حاطوم، ومصطفى طلاس، وعبد الكريم الجندي، ومنير جيرودي، وأحمد المير – سقطت الجولان بيد العدو الصهيوني وكان قائداً للجبهة – وغيرهم).
إلا أنه بحسب المذكرات، من الواضح أن حافظ الأسد أصبح الرجل الأول في سورية من حيث القوة العسكرية، منذ العام 1966 أي مباشرة بعد تصفية الرئيس أمين الحافظ والقيادة القومية (عفلق – البيطار).. فيما كان الأسد – وطلاس – شريكين صاعدين بعد 1963 في التصفيات المتتابعة لزياد الحريري وجاسم علوان ثم محمد عمران فالحافظ فالبيطار – إلى أن بدأ الصراع داخل “القيادة القطرية” فأبعد سليم حاطوم (ثم استدرج لاحقاً من الاردن الى دمشق وأعدم بعد هزيمة 1967) ثم أحمد سويداني ثم عبد الكريم الجندي (الذي يتبنى طلاس واقعة انتحاره)… حتى إبعاد صلاح جديد ونور الدين الاتاسي و”المجموعة الديرية” (دير الزور) كما يسميها طلاس برئاسة يوسف زعين.
يذكر العماد في مذكراته أن الرئيس حافظ الأسد كلفه بمهمة الانخراط في وفد ضم رئيس الاركان حكمت الشهابي لمقابلة العاهل الاردني (الراحل) الحسين، على أن يتولى الشهابي مراقبة رد فعل الملك من عينيه عندما سيخبره طلاس بقرار القيام بحرب تشرين فإذا شعر الشهابي بزوغان معين في نظرات الملك، عليه أن يشير لطلاس بتغيير الموضوع لأن الملك – حسب الأسد – تتيه نظراته حين يكون غير مرتاح لسماع كلام معين.
ويروي طلاس في مكان آخر كيف طلب منه الأسد، بعد محاولة الشيوعيين السودانيين الانقلاب على جعفر نميري أن يذهب – مع وفد – إلى الخرطوم ليقدم له نصائح في كيفية حماية النظام السياسي باعتبار طلاس في نظر الأسد صاحب خبرة في التعامل مع الانقلابات العسكرية والأنظمة الشمولية الديكتاتورية!
ويتحدث العماد في مذكراته عن نفسه كمبعد الى مصر أيام الوحدة، حيث يتواصل مع حافظ الأسد وصلاح جديد ومحمد عمران وغيرهم من الضباط السوريين الذين سيشكل بعضهم ما سيعرف لاحقا باسم “اللجنة العسكرية” كتنظيم سري في عهد الوحدة الى استقباله الماريشال غريشكو وزير الدفاع السوفياتي في منزله بدعوة عشاء عام 1969 وكان أصبح رئيساً للاركان، وهو العشاء الذي طلب منه وزير الدفاع حافظ الاسد أن يدعو اليه رئيس الدولة نور الدين الاتاسي مع الأسد فقط دون أي شخص آخر من كبار مسؤولي الدولة، مما يعطي فكرة عن كون الأسد أصبح الأقوى في تشكيلة الحكم الشباطي قبل عام 1970.
في العشاء دخل غريشكو الى مطبخ البيت ليصف أقراص الكبة “المتطاولة” التي حضّرتها السيدة طلاس بأنها “صواريخ عابرة للقارات”. كما يروي أن غريشكو عندما قدم له ضابط سوري كبير كتابا ترجمه إلى العربية عن كتاب لضباط سوفيات حول “الإستراتيجية العسكرية” قال للضابط بفجاجة:
“كنت اتمنى ان تهديني كتابا عسكريا ألّفه ضابط عربي حول “الإستراتيجية” ونحن نترجمه إلى الروسية! هذا هو الذي يفيدني!”.
رغم رواية طلاس السياسية “المنحازة” لنفسه! فمذكراته ضمت أشياء كثيرة، في الشخصي والاجتماعي والاقتصادي والعسكري والطائفي، ناهيك عن العربي والدولي.
وبين الانجذابات النسائية لطلاس التي يتركنا قصدا دون ان نفهم نهايتها… قصة له، بدأت بحضور الجنرال جياب (الاسطوري السمعة في حرب فيتنام) مع فتاتين فيتناميتين….
إنها مذكرات للقراءة الكاملة… مادة خام لا غنى عنها لمؤرخي سورية والمهتمين بالشأن السوري.. على الأقل الأربعين عاماً المنصرمة حتى لو غطت المذكرات أكثر من خمسين عاما.
ربما بعد أن تقاعد… سيكمل مصطفى طلاس ما لم يَروِه… بالمطلق: الدخول الى لبنان تجربة الحكم فيه… النظام وصراعه مع جماعة الإخوان المسلمين وموقفه من المجازر التي ارتكبها النظام بحق المواطنين السوريين في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي. وفترة التسعينيات وربما سوريا بشار الأسد، مع مزيد من الكلام السياسي الأدبي، الشخصي والعام.
نتمنى على العماد قبل ان يدخل نفق ولاية الفقيه أن يتحدث بصدق وصراحة عن ذكرياته وهو أحد أعمدة النظام الذي جاء على ظهر دبابة ضالة وحكم منذ العام 1963 وما زال يحكم، وهذه أمانة نأمل من العماد أن يعطيها حقها وقد بلغ من العمر مابلغ.
مذكرات العماد مصطفى طلاس تستحق القراءة والإمعان في كل ما جاء فيها من غث وسمين لأنها تعطي صورة حقيقية وواقعية عن حقيقة وواقع الضباط السوريين الشخصية والعامة الذين جاء بهم حزب البعث الشمولي – خلفاً لمئات الضباط العاملين والمحترفين غير المسيسيين الذين سرحهم- ليحمي بهم النظام وليس البلاد!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق