فرية تأليه يسوع !.. |
الدكتورة زينب عبدالعزيز أستاذة الحضارة الفرنسية |
من أهم وأكبر الفريات التى ابتدعتها المؤسسة الكنسية، على مدى تاريخها الممتد فى مجال التحريف والتزوير، فرية تأليه يسوع فى مجمع نيقية الأول عام 325 ، بل لعلها أكبر الفريات على الإطلاق !.. والقارىء لنصوص الأناجيل الأربعة يفاجأ ويُصدم بكم الآيات التى توضح بل وتؤكد ان يسوع إنسان ونبى من أنبياء الله ، إنسان وأحد أفراد اسرة عادية لأناس تأكل وتشرب، وله إخوة وأخوات مذكورين بأسمائهم، وينفعلون ويغضبون كسائر البشر، بل لا يعتدّون به كأحد الأنبياء وإنما يعتبرونه مختل عقليا، وتختلف حوله الآراء ما بين مؤيد ومعترض او يكيل له الإتهامات، لكنه ليس بإله على الإطلاق ! وذلك هو ما سوف نتناوله بإختصار من خلال الآيات الواردة او التى لا تزال موجودة فى متناول يد القارئ .. تختلف الأناجيل وتتناقض حول تاريخ ميلاد يسوع، فى نصوص القرون الأربعة الأولى، إذ يورد روبير آمبلان (R. Ambelain) فى كتابه المعنون "يسوع أو السر القاتل لفرسان المهيكل" الصادر عام 1970 (Jésus ou le mortel secret des Templiers) يورد التواريخ التالية : 25 ديسمبر، 6 يناير، 28 مارس، 19 أبريل، 20 مايو.. وفى القرن الرابع عندما رأت الكنيسة شعبية الإله ميثرا وإنتشار عبادته الممثلة فى قرص الشمس، استولى البابا ليبريوس عام 354 على يوم 25 ديسمبر ليجعله تاريخا لمولد يسوع معلنا أن يسوع هو "نور العالم" ، وهو ما أقره البابا الراحل يوحنا بولس الثانى فى 23 ديسمبر عام 1993 حينما واجهوه بهذا التلاعب.. وقد تناولت هذه الفرية تحديدا فى مقال سابق بعنوان: عيد ميلاد "ربنا يسوع" .. وهناك ثلاثة تواريخ لصلبه كما يزعمون، هى على التوالى : 7 أبريل سنة 30، و27 إبريل سنة 31، و 3 أبريل سنة 32 .. وهناك مكانان لمولده : الناصرة ، وهى الوارد ذكرها فى الآيات، وبيت لحم الذى إختلقته المؤسسة الكنسية لتتمشى الفريات مع ما يستندون إليه تلفيقا من العهد القديم. وتتضمن الأناجيل مدتان مختلفتان لرسالة يسوع، فوفقا لإنجيل مرقس فإن الحياة العامة ليسوع قد إمتدت لأكثر من عام، بينما يمدها إنجيل يوحنا إلى ثلاث سنوات، وإن كان هناك من يحصرها فى ثلاثة أشهر ! وذلك وفقا لما يرد بهذه الأناجيل من معطيات يتم تفسيرها – كالمعتاد ، وفقا لما يراه الكاتب .. أما عن العمر الإفتراضى ليسوع، فيتفاوت فى هذه الأناجيل المتواترة فيما حول الثلاثين من العمر، بينما يورد إنجيل يوحنا انه كان فى الخمسين تقريبا إذ يقول يسوع : "أبوكم إبراهيم تهلل بأن يرى يومى فرأى وفرح. فقال له اليهود ليس لك خمسون سنة بعد. أفرأيت إبراهيم" (8 : 56-57) ! وهو ما يرجع بتاريخ مولد يسوع الى عشرين عاما قبل الميلاد أو يضع وفاته أيام كلوديوس فى منتصف القرن الأول وليس فى سنة 30 او 33 !. إلا أن سن الخمسين هذا يتمشى مع ما قاله إيرنيوس الذى إستمع إلى بوليكارب فى شبابه ، فإن يسوع قد ولد عام 16 أو 17 ق م "لأنه كان قد تجاوز الخمسين حين بدأ يعلم" و "أنه مات بعد الخمسين وقد لامس الكهولة " (وارد فى كتاب لويس برهييه (L. Bréhier) "تكوين العقائد المسيحية" ، صفحة 230). وتصر المؤسسة الكنسية على فرض انه ولد فى بيت لحم لأنها المدينة التى ولد بها الملك داود. لذلك جعلت أبواه ينتقلان من الناصرة اإلى بيت لحم من أجل التعداد، على أن يوسف من سلالة داود ! وهذا التبرير يصعب تقبله لأن الإحصاء الذى طالب به كيرنيوس تم بعد تحويل منطقة اليهودية إلى مقاطعة رومانية، وبذلك يكون يسوع قد كان فى الثانية عشر من عمره وليس وليدا ! خاصة وان إحصاء كيرنيوس لم يكن يخص سوى منطقة اليهودية وأبوى يسوع اللذان كانا يقطنان الجليل لم يكن عليهم الخضوع لهذا الإحصاء أصلا ، لأن أتباع يسوع وكل الذين كانوا يحيطون به وكذلك الفارسيين يعتبرونه من الناصرة. بل حتى بولس يؤكد انه من الناصرة (أ.ع. 2 : 22 ؛ و4 : 10) .. ولم نتناول كل هذه الجزئيات المتعددة الخاصة بيسوع إلا لنوضح : ان كل ما يتعلق بيسوع فى هذه الأناجيل، التى لا يزالوا يصرون على أنها "منزّلة من عند الله " ، متناقض ولا يستقيم ، بل ولا يمكن الإعتماد عليه للحصول على صورة حقيقية لتلك الشخصية الكنسية الصنع .. وقد أصرّت الأيادى العابثة بالحقائق وخالفت الآيات وجعلت يسوع يولد فى بيت لحم لكى تختلق له نسبا من داود ومن سلالته عن طريق يوسف، أبوه وفقا للأناجيل، لتسهيل عملية تأليهه ! فمن الأمور الشائعة قديما ان يتم تأليه الملك أو القيصر مثلما حدث مع رمسيس الثانى أو الإسكندر الأكبر أو حتى قسطنطين الأول الذى تم تصويره أيضا على أنه "الشمس التى لا تقهر" ، وهو اللقب الخاص بالإله ميثرا الذى أضفوه على يسوع .. والطريف أن يسوع نفسه يرفض هذا النسب بدليل رده على الكتبة : " كيف يقول الكتبة أن المسيح إبن داود. لأن داود نفسه قال بالروح القدس قال الرب لربى إجلس عن يمينى حتى أضع أعداءك موطئا لقدميك. فداود نفسه يدعوه ربا. فمن أين هو إبنه " (مرقس 12 : 35-37)، أى ان يسوع يرفض الإنتساب لداود ويرفض ان يكون إبن الله كما يدعون، ونطالع نفس القول فى إنجيل لوقا إذ يقول يسوع : "وقال لهم كيف يقولون أن المسيح إبن داود وداود نفسه يقول فى كتاب المزامير قال الرب لربى إجلس عن يمينى حتى أضع أعداءك موطئا لقدميك. فإذا داود يدعوه ربا فكيف يكون إبنه " (20 : 41-44)! وتنجم إستحالة ميلاد يسوع عن طريق يوسف النجار بزعم انه ، أى يوسف، من نسب داود ، لا لوجود سلسلتين متناقضتين لهذا النسب فحسب ، وإنما نفس هذا النسب ينفى قطعا الوهية يسوع كما يزعمون ، فكيف يكون لله سلسلة أجداد ؟.. بخلاف أن نفس هذه الفرية تثبت فى الوقت ذاته أبوّة يوسف الفعلية ليسوع وأخوته وأخواته ، بدليل ان إنجيل لوقا يقول أن مريم "وضعت إبنها البكر" (2 : 7) وهو ما يعنى أنها أنجبت غيره من الأطفال وإلا لأكتفى بقول "إبنها" !.. والأناجيل الثلاثة تتحدث عن أخوته الأربعة يعقوب ويوسى ويهوذا وسمعان (مرقس 3 : 6) و(متى 13 : 53-58) ويقولون أخوته وليس أبناء عمومته كما يحاولون التمويه ذرا للرماد فى الأعين ، لأن الكلمة اليونانية المستخدمة هى "أدلفوس" اى أخ شقيق وليست "أنبسوي" اى إبن عم ! وهؤلاء الأخوة أو هذه الأسرة التى وُلد يسوع وسط أفرادها لم تكن تتقبل أفعاله، فوفقا لإنجيل يوحنا "لم يكونوا يؤمنون به" (7 : 5) ؛ أما عائلته وأقرباؤه فقد "خرجوا ليمسكوه لأنهم قالوا أنه مختل " (3 : 21) ؛ والكتبة الذين نزلوا من أورشليم فقالوا : "أن معه بَعْلزبول وأنه برئيس الشياطين يخرج الشياطين" (مرقس 3 : 22) أى أنه ساحر من السحرة. وعلى ما يبدو فقد كان الشعور المتنافر متبادل بين يسوع وأهله ، فحين أخبروه ان امه واخوته يطلبون رؤيته قال : "من هى أمى ومن هم إخوتى. ثم مد يده نحو تلاميذه وقال ها هى أمى وإخوتى لأن من يصنع مشيئة أبى الذى فى السماوات هو أخى واخوتى وأمى" (متّى 12 : 36 : 50) .. وهو ما يعنى ضمناً أن أم يسوع وأخوته لا يصنعون مشيئة الرب او يلتزمون بتعاليمه ، والنص واضح !.. ومن ناحية أخرى فإن أعمال الرسل لا تذكر شيئا عن مولد يسوع المعجزة ونفس الشىء فى رسائل بولس .. ففى خطابه الأول الى أهل كورنثوس يتحدث بولس عن "إخوة الرب" (9 : 5) الذين يريد أن يتزوج مثلهم .. وفى رسالته إلى أهل رومية يتحدث بولس عن ان يسوع "من نسل داود من جهة الجسد " (1 : 3) ، اى أنه إبن يوسف النجار ، وفى الآية 5 من إصحاح 9 من نفس الرسالة يؤكد بولس أن المسيح من نسل داود "حسب الجسد". وإذا ما رجعنا إلى الواقعة التى تنص على أن يسوع أدخل الشياطين فى أجساد الخنازير (متّى 8 : 32) ، فى بلد يحرّم الخنازير تحريما قاطعاً ، واندفعت الخنازير بشياطينها من على الجرف فخرجت المدينة لملاقاة يسوع ، "ولما أبصروه طلبوا أن ينصرف عن تخومهم" (متّى 8 : 34) ، أى أنهم لم يرحبوا بما قام به بل طردوه وطلبوا منه الإبتعاد حتى عن اطراف بلدتهم !! أما معاصروه فكانوا يرونه بصورة لا تقل إهانة ، "فيقولون هو ذا إنسان أكول وشرّيب خمر محب للعشارين والخطاة" (متّى 11 : 19).. واستكمالا لوضع يسوع واسرته ، فقد تحدث فلافيوس جوزيف عن أخوه شقيقه يعقوب، قائلا أنه تولى رئاسة الجماعة بعد وفاة يسوع.. وهى معلومة تناولتها معظم المراجع ، بل هناك العديد من الكتب التى باتت تحمل عنوان "يعقوب شقيق يسوع" أو "أشقاء يسوع" .. وفى عام 1977 صدر كتاب فى انجلترا هز الغرب المسيحى بعنوان "أسطورة تجسد الله" (The Myth of God Incarnated)، يدين تأليه يسوع. واللافت للنظر أن هذا الكتاب بقلم سبعة من كبار علماء اللاهوت فى برمنجهام. وما يكشف عنه هؤلاء العلماء أن المعطيات الواردة عن يسوع فى العهد الجديد والتى تقدمه على أنه إبن الله لا يجب بأى حال من الأحوال أن تؤخذ حرفيا فهى عبارة عن أساطير خيالية وشاعرية المنبت. وان فكرة تأليهه قد تمت صياغتها فى القرن الأول للمسيحية تحت تأثير الأفكار الوثنية ، وأن يسوع لم يقم ابدا بتعليم نظرية الثالوث أو قال أنه إبن الله المرسل إلى الأرض ليفدى أخطاء الإنسانية بموته.. ومن أهم النقاط التى أثبتوا أنها مأخوذة عن الديانات الوثنية : الإفخارسيا، وتجسد الإله ، والحمل العذرى ، وأنها قضايا غير واردة بالأناجيل وصيغت على مر العصور .. ولن نستشهد بالقرآن الكريم لإثبات ان السيد المسيح نبى من أنبياء الله وإنما سنورد بعض آيات الأناجيل المتداولة : * "..هذا يسوع النبى الذى من ناصرة الجليل" (متّى 11 : 21) * " قد قام فينا نبى عظيم " (لوقا 7 : 16) * "..إن هذا بالحقيقة النبى الآتى إلى العالم " (يوحنا 6 : 14) * "يسوع الناصرى الذى كان إنسانا نبيا مقتدرا فى الفعل والقول.." (لوقا 24 :19) وإذا ما أضفنا بعضا من الآيات التى يقرّق فيها يسوع بينه وبين الله الذى أرسله نبياً مقتدراً ، لأدركنا مدى التلاعب الذى قامت به الأيادى العابثة ، ومنها : * ".. ان أول كل الوصايا هى إسمع يا إسرائيل الرب إلهنا رب واحد" (مرقس 12 :29) * ".. ليس أحد صالحا إلا واحد وهو الله " (متى 19 : 16) * ".. إنى أصعد إلى أبى وأبيكم وإلهى وإلهكم " (يوحنا 20 : 17) * ".. أمضى إلى الآب لأن أبى أعظم منى " (يوحنا 14 ؛ 28) * "أنا إنسان قد كلمكم بالحق الذى سمعه من الله " (يوحنا 8 : 40) * ".. مكتوب للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد " (متّى 4 ؛ 10) * "..لا تدعوا لكم أبا على الأرض لأن اباكم واحد الذى فى السماوات" (متّى 23 : 9) ومن آخر آيتان ندرك أن الصلاة أيام يسوع كانت سجودا ، قبل ان تحرفها الآيادى العابثة وتمنع السجود ؛ وان يسوع يحرّم إطلاق عبارة "بابا" على اى شخص فأب الجميع واحد هو الله الذى فى السماوات ، ورغمها يتم استبعاد قول يسوع والإستيلاء علي اللقب للقيادات الكنسية .. أما عن عبارة إبن الله التى قصرتها المؤسسة الكنسية تحريفا على يسوع وحده ، فإن يسوع نفسه يقول : "طوبى لصانعى السلام لأنهم أبناء الله يُدعَون " (متّى 5 : 9) .. فهل بعد كل ما تقدم من وضوح ، وضوح فى الآيات المستشهد بها ، ووضوح فى عمليات التحريف والتزوير التى تغص بها هذه الأناجيل ، هل هناك أية حاجة لإضافة أى تعليق ؟! |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق