زيارة بابا الفاتيكان إلى قبرص .. قمة الانحياز والنفاق
عبد الباقي خليفة | 2/7/1431 هـ
التقط بابا الفاتيكان بنديكت السادس عشر، أحجارا ، وألقى بها على المسلمين ، وهو متلبس بالخطيئة ، بينما كانت عبارات شاردة ، وناشزة عن السياق العام لخطابه ، حول المحبة والأخوة مع المسلمين . أو حول ضرورة إيجاد حل لقضية ( الشرق الأوسط ) . لقد عبر بابا الفاتيكان عن انحيازه ضد المسلمين عدة مرات ، منها زيارته السابقة للمنطقة ، والتي عبر فيها عن سعادته بعودة اليهود ( إلى أرض أجدادهم ) ، وهدم بذلك كل ما قاله عن السلام والتعايش وغيرها من القيم . ومنها زيارته الأخيرة إلى قبرص التي أعرب فيها عن قلقه حول مصير الأقليات النصرانية في ، الشرق الأوسط .
الانحياز البابوي :
لم يكن بابا الفاتيكان عادلا في زيارته ، فقد وجهت إليه الجمهورية القبرصية التركية ، دعوة لزيارتها عن طريق رئيسها المنتخب ، يوسف سوايتشماز ، لكنه رفض الزيارة ، بينما قبل زيارة قبرص اليونانية . وهناك استمع لتهجمات شديدة على تركيا ، ولم يرد سوى بقوله " ليحمي الرب قبرص " كما لو أنه يؤمن على ما سمع ، وهو الذي يرفض حتى الآن مبدأ قبول تركيا في الاتحاد الاوروبي .
لقد تكررت كثيرا خطايا بابا الفاتيكان بحق الإسلام والمسلمين ، ففي الوقت الذي يدعو فيه المسلمين حينا ، ويلومهم حينا آخر على خلط ، الدين بالسياسة ، يمارس السياسة بمعتقدات القرون الوسطى ، وبروح أوربان ( بابا الفاتيكان المحرض على الحروب الصليبية ) ، ويحض أوربا على النسج على نفس المنوال ، وهو ما نشاهد مظاهره في العديد من الدول الأوروبية ، وسياساتها حيال الإسلام والمسلمين ، من قوانين الهجرة والتجنيس ، إلى التضييق على المظاهر الإسلامية كالحجاب والنقاب ، فضلا عن فرص العمل التي أصبحت متعذرة على المسلمين ، حتى من ولد منهم في أوربا ولا يعرف له وطنا سواها .
لقد كانت زيارة بنيديكت السادس عشر، رايتسنغر ، سابقا ، استجابة لدعوة من الرئيس القبرصي اليوناني ، ديميتريس كريستوفياس ، من أجل دعوته للمساهمة بقسط أكبر مما هو حاصل في " الضغط على تركيا " لإنهاء ما وصفه ب " الاحتلال ". وكانت تركيا قد تدخلت عسكريا عام 1974 م لوقف المجازر وعمليات التطهير العرقي بحق الأتراك في المنطقة . ولم يعتبر بابا الفاتيكان تصريحات الأسقف كريسوستوموس الثاني ، رئيس الكنيسة الأرثذوكسية في قبرص اليونانية ، خلطا بين الدين والسياسة عندما ، تهجم على تركيا واتهمها بما وصفه ب "التطهير العرقي" في قبرص التركية .
بابا الفاتيكان ونصارى الشرق :
يبدي بابا الفاتيكان اهتماما كبيرا بنصارى الشرق الذي تقول بعض المصادر الكنسية وغيرها أنهم يتعرضون للانقراض ، بسبب السياسات الغربية ، التي زرعت الكيان الصهيوني في قلب العالم الإسلامي ، وإثارة الفتن والحروب في المنطقة ، ولاسيما في لبنان ، والعراق ، وغيرها . ولعبة نصارى الشرق ، هي إحدى الأوراق القديمة الجديدة للقوى الاستدمارية الغربية ، فقد احتلت فرنسا الشام وساهمت في تقسيمه مع بريطانيا بحجة حماية نصارى لبنان سنة 1920 م . ولم تكن فرنسا في ذلك الحين دولة دينية ، وإنما لائكية ، كما تزعم حاليا .
لقد كانت زيارة بابا الفاتيكان إلى قبرص وترأسه اجتماعا دينيا مسيسا حضره 10 آلاف شخص ، تدشين لمرحلة جديدة من خلط السياسة الغربية بالدين ، فقد سلم بطاركة الشرق الكاثوليك ( وثيقة عمل ) تتضمن نقاطا أساسية حول وضع النصارى في الشرق ، وعلاقتهم بمحيطهم . وهي الوثيقة التي ستناقش في الأبريشيات النصرانية كافة ، وتحمل عنوان " آلية العمل " أي خطة للتنفيذ على المستوى السياسي والكنسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي . وهي الخطة التي ستناقش أيضا في المؤتمر الذي سيعقد في أكتوبر القادم بحضور بطاركة من الشرق .
ومن المتوقع أن يدخل الفاتيكان ، تعديلات على الوثيقة لتتساوق والاستراتيجية الغربية السياسية في منطقتنا . وقد تباكت الوثيقة على "الخسارة "التي ستنجر على انقراض النصارى من البلاد الإسلامية سواء بسبب الاحتلال الصهيوني ، أو القلاقل التي يتسبب فيها الغرب بالمنطقة . ورغم إقرارنا بأن الكثير من نصارى الشرق وطنيون وقوميون ، إلا أن بعضهم وكما أثبتت وثائق استخبارية ، وأشرطة وثائقية ، متورطون في العمالة ، والتجسس ، ويمثلون مخلب قط للأعداء التاريخيين للأمة ، سواء كانوا صهاينة ، أو قوى استعمارية معروفة .
الإسلام ووثيقة العدوان :
لقد عبرت الوثيقة ، عن عداء واضح للصحوة الإسلامية التي تقود التغيير الشعبي ، في أوساط الأمة ، مما يوحي بأن الإشارات إلى الاحتلال الصهيوني ، وغيرها من النقاط التي يمكن أن ينظر إليها البعض بايجابية ، ليست سوى الشجرة التي تخفي الغابة ، أو قطعة الرخام التي تغطي القبر المتعفن . ففي الوقت الذي دعت فيه الوثيقة نصارى الشرق للاتحاد ليلعبوا دورا في المنطقة التي مزق أوصالها الصراع ، كما جاء في الوثيقة ، أعربت عن قلقها مما وصفتها ب " تصاعد الإسلام السياسي " وأن " النصارى يعانون في الدول التي لا يميز مسلموها بين الدين والسياسة " مما يعني أن الاستراتيجية الغربية تهدف للقضاء على هذا المقوم الأساسي والاستراتيجي لبقاء الأمة وقدرتها على الرد على أي عدوان .وردد بابا الفاتيكان قوله بأن " زوال النصارى سيشكل خسارة للتعددية التي تتسم بها منطقة ، الشرق الأوسط ، منذ الأزل " .
هذا الفاتيكاني الذي يشير للتعدد في الشرق ، هو الذي لا يزال يكرر وباستمرار دعوته للحفاظ على " نقاوة أوربا " ولم ينس بابا الفاتيكان أن يتحدث عن دور نصارى الشرق في مساعدة الاحتلال الأوروبي للمنطقة واصفا ذلك الدور بأنه " دور لا يقدر بثمن " كما كذب عندما تحدث عن وجود معاناة لنصارى الشرق وتمييز ضدهم ، من باب رمتني بدائها وانسلت . أما الوثيقة فقد اعتبرت وجود النصارى في بلادنا ، نوع من التنصير الصامت . ونقلت صحيفة " الديلي تلغراف "عن الفاتيكان قوله " إن نصارى الشرق يعانون تجاهل المجتمع الدولي "وقالت إن "بابا الفاتيكان دعا إلى بذل الجهود الدولية العاجلة والمتضافرة من أجل حسم التوترات المستمرة " .
ويقدر الفاتيكان عدد نصارى الشرق على مختلف دياناتهم ب 17 مليون نسمة بما في ذلك مصر وإيران . لكن أخطر ما في الوثيقة إشارتها إلى ما وصفته ب " الإسلام السياسي في المجتمعات العربية وتركيا وإيران .. وهو تهديد لكل من المسلمين ، والنصارى ، على حد سواء " كما شكت الوثيقة النصرانية السياسية من " عدم وضوح الخط الفاصل بين الدين والسياسة في الدول الإسلامية والذي غالبا ( حسب تخرصهم ) ما يكون سببا في محاولة اعتبار ، النصارى ، غير مواطنين " وهي فرية جديدة أشبه ما تكون بتلك الفرية المماثلة التي بررت بها الحروب الصليبية الهمجية التي لم يعرف لها التاريخ مثيلا .
الإسلام وتخرصات بابا الفاتيكان :
لم نعثر على ردود علمية أو سياسية أو غيرها على تخرصات بابا الفاتيكان في قبرص ، سوى ( السطور السابقة ) ورد لرئيس علماء فلسطين الشيخ حامد البيتاوي ، اعتبر فيه تصريحات ، رايتسنغر ، تطاول على الإسلام ، ورد على مزاعمه بأنه " لا يقر بحقوق النصارى الدينية ، ولا بحقوقهم الإنسانية ، خاصة في منطقة الشرق الأوسط ، بسبب ما وصفه ب " الثيوقراطية الإسلامية " ( حكم رجال الدين ) وما وصفه أيضا ب " سيطرة الأفكار الدينية على الطبقات السياسية الحاكمة " ؟!!!
وقال الشيخ البيتاوي " نحن ندين هذه التصرفات وهذه التهجمات ، فهي تصريحات مردودة على قائلها وكلها تقطر عنصرية وتحريض وتنم عن جهله بطبيعة الإسلام الذي أكرمنا الله به " وتابع " كان من المفروض من شخصية دينية كاثوليكية لها مركزها أن تتحاشى التحريض والعنصرية في تصريحاتها ، وأن لا يتهجم على دين يزيد عدد أتباعه عن مليار ونصف المليار نسمة ، وكان عليه أن يساهم في جمع الكلمة لا الفتنة والتفريق بين بني الإنسان " . وطالب الشيخ البيتاوي بابا الفاتيكان بالاعتذار وقال " عدد النصارى في نابلس 500 فرد ولديهم 10 كنائس ولم يسبق للمسلمين ولا سيما في الشرق أن اعتدوا على كنيسة " ووصف تصريحات بابا الفاتيكان بأنها " تهدف لإحداث فتنة طائفية جديدة ، وهو داعية فتنة " واستشهد الشيخ البيتاوي بفتح المسلمين للقدس ، وكيفية معاملة أهلها ، وهي معاملة راقية لم تشهدها المدينة المقدسة في تاريخها من السبي البابلي مروروا بالحروب الصليبية وانتهاء بالعدوان الاستيطاني الصهيوني في فلسطين . وأكد الشيخ البيتاوي على أن الاسلام نظام متكامل شامل فيه العقيدة والشريعة والعبادة والنظام السياسي والاقتصادي ونحن نعتزبذلك . وقال إن الأناجيل الموجودة ليس فيها نظام حياة ، وهي أشبه بسيرة مبتسرة لحياة سيدنا عيسى عليه السلام . واتهم بابا الفاتيكان بتحويل الأنظار عن الجرائم الصهيونية في فلسطين والمنطقة ، وجرائم الشذوذ الجنسي في كنيسته ، إلى حرب الإسلام والمسلمين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق